تقرير خاص | القصة الكاملة لسفينة الحرية “مادلين” من البحر وحتى السجون الصهيونية
السفينة كانت تحمل حليب أطفال وأطراف صناعية لأطفال غزة

- الكيان الصهيوني سبق وان هاجم 37 سفينة متجهة إلى غزة
تقرير خاص يكتبه: محمد أبوزيد
في زنزانة منعزلة داخل سجن “غفعون” بالرملة المحتلة، يجلس نشطاء من 7 جنسيات مختلفة، بينهم نائبة في البرلمان الأوروبي وناشطة مناخية عالمية، جميعهم ارتكبوا “جريمة” واحدة هي: محاولة إرسال حفاضات وأرز إلى أطفال غزة الذين يموتون بفعل أكبر حصار وحرب تجويع وقتل دموي لم يعرفه التاريخ من قبل!
ففي تكرار مروّع لمشاهد انتهاك القانون الدولي، أقدمت إسرائيل على تنفيذ عملية قرصنة بحرية مكتملة الأركان ضد السفينة “مادلين”، أحدث سفن “تحالف أسطول الحرية”، التي كانت في طريقها لكسر الحصار عن غزة. وقامت مجموعة كوماندوز من قوات الاحتلال الإسرائيلي بمهاجمة السفينة مادلين التي كانت متجهة لغزة تحمل أطعمة وأرز وقمح وملابس داخلية لأطفال غزة، واقتادت كل من على متنها لسجون دولة الاحتلال. ما فعلته دولة الاحتلال حلقة في مسلسل دموي بدأ منذ ما يقرب من 20 عاماً، حين حوّلت إسرائيل البحر المتوسط إلى ساحة قرصنة دولية، تنتهك فيها القانون بدم بارد.
السفينة حملت اسم بطلة فلسطينية
في الأول من يونيو 2025، ومن ميناء كاتيانا الإيطالي انطلقت السفينة “مادلين” التي تحمل اسم “مادلين كُلاب” الفتاة الفلسطينية التي أصبحت أول صيادة في غزة، قبل أن تقتل القوات الإسرائيلية والدها وتدمر قارب صيده في مارس 2025. اختار النشطاء الاسم ليكون رسالة: “غزة لن تموت”
وفي صباح 9 يونيو 2025، وعلى بعد 160 كيلومتراً من سواحل غزة، حاصرت زوارق إسرائيلية سريعة وطائرات مُسيّرة السفينة، في سابقة جديدة من الاعتداء على السيادة البحرية الدولية. الطائرات رشّت مادة بيضاء مجهولة تسببت بتهيّج عيون الطاقم، بينما بُثت أصوات إلكترونية عبر موجات الراديو لتعطيل الاتصالات.
ولم تمضِ دقائق حتى قفزت وحدة الكوماندوز البحري “شايطيت 13” على ظهر السفينة، موجّهة أسلحتها إلى النشطاء، الذين رفعوا أيديهم في استسلام موثّق بالصور.
اقتادت إسرائيل طاقم السفينة إلى ميناء أسدود، بعد أن كُبّلت أيديهم وصُودرت ممتلكاتهم. هم وكل النشطاء الذين كانوا علي متنها، ومن هناك، نُقلوا إلى سجن “غفعون” حيث زُج بهم في زنازين انفرادية،أما وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، فقد وصف الرحلة بـ”مسرحية دعائية لحماس”، ولم يتردد في نعت غريتا ثونبرغ بأنها “معادية للسامية”.
من كان على متن مادلين؟
كان على متن السفينة مادلين عددا من النشطاء الدوليين ومن أصحاب الضمائر ومن أبرزهم:
1. غريتا ثونبرغ (22 عاماً): الناشطة السويدية التي هزت العالم باحتجاجاتها المناخية، قالت قبل الرحلة: “إذا كان العالم صامتاً أمام مجاعة غزة، فسأذهب لأصرخ في وجوههم”.
2. ريما حسن (39 عاماً): النائبة الفرنسية-الفلسطينية في البرلمان الأوروبي، والتي قالت وهي تُقيد “هذه ليست زنزانتي الأولى، فإسرائيل تعتقلنا منذ 70 عاماً”.
3. تياغو أفيلا.. 45 عاماً البرازيلي الذي نجا من الاعتقال في أسطول 2018، وقال في بث مباشر قبل قطع الاتصال: “إنهم يرشوننا بمواد كيميائية.. هذه جريمة حرب”.
4. عمر فياض (32 عاماً): مراسل الجزيرة مباشر الذي وثّق اللحظات الأخيرة قبل اختطاف السفينة، بينما كان يصرخ: “لا يوجد هنا إرهابيون، فقط حليب أطفال!”.
ماذا كانت تحمل السفينة مادلين؟
لم تكن السفينة الصغيرة مادلين تحمل على متنها رؤوس نووية ولا طائرات حربية بل هذه هي جميع محتوياتها التي تعرضت بسببها لجريمة حرب :
– 48 علبة حليب أطفال لمنع موت أطفال مثل “آية” (3 أشهر)، التي توفيت في مايو 2025 بسبب نقص الحليب.
– 10 أطراف صناعية*: لأطفال بُترت أرجلهم مثل “يوسف” (9 أعوام)، الذي فقد ساقيه في قصف على مدرسته.
– *معدات تحلية مياه*: لمواجهة تحويل إسرائيل لمياه البحر إلى سلاح بفرض حظر على وقود محطات التحلية.
وبينما كان نشطاء “مادلين” يُجرون إلى الزنازين، نشرت الخارجية الإسرائيلية فيديو على “إكس” يظهر جنوداً يقدمون “شطائر” للنشطاء، معلقة: تمت السيطرة على السفينة مادلين وتم تقديم شطائر الفطير للنشطاء ،انتهى العرض
20 عاماً من قرصنة الاحتلال على أساطيل الحرية
في 31 مايو 2010، هاجمت القوات الإسرائيلية سفينة “مافي مرمرة” التركية في المياه الدولية خلال ابحارها في اتجاه غزة لكسر الحصار الإسرائيلي ،وكان هجوما دمويا إجراميا ،أسفر عن مقتل 10 نشطاء برصاص الكوماندوز الإسرائيلي، بينهم الشاعر التركي جمال كايا و طعنت قوات الاحتلال الإسرائيلي جثة الناشط الأمريكي “فوركان دوغان” 9 طعنات، ثم أطلقت النار على وجهه.
وفي 29 يوليو 2018، اختطفت إسرائيل سفينة تحمل 22 ناشطاً، بينهم باسكال موريراس (الذي كان على متن “مادلين” أيضاً). تعرض للتعذيب الكهربائي في سجن “بئر السبع”.
2025.. هجوم كيماوي على “مادلين”!
أضافت إسرائيل اليوَم أسلوباً جديداً في إرهابها الدولي حيث استخدمت مواد كيماوية في هجومها على السفينة “مادلين”.
واعتراض “مادلين” في المياه الدولية يُعد خرقاً صريحًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS)، التي تضمن حرية الملاحة خارج المياه الإقليمية. والمقرّرة الأممية فرانشيسكا ألبانيز أكدت أن السفينة لم تكن تشكّل أي تهديد أمني، وأن اعتراضها يشكّل جريمة حرب مكتملة.
وتنص اتفاقية جنيف الرابعة على حماية المدنيين، ما يجعل احتجاز النشطاء، ومعظمهم من جنسيات أوروبية، ونقلهم قسراً إلى أسدود، خرقًا صارخًا. أما تياغو أفيلا فصرّح من فوق السفينة قبيل اقتحامها أن ما يجري هو “جريمة حرب” لا لبس فيها وانتهكت دولة الاحتلال الإسرائيلي 4 بنود دولية بهجومها على مادلين واعتقال كل من على متنها وهي :
1. قرصنة بحرية* (المادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار): لا يحق لإسرائيل اعتراض سفن في المياه الدولية.
2. جريمة حرب* (المادة 8 من نظام روما): العقاب الجماعي عبر منع الغذاء عن غزة.
3. تعذيب (اتفاقية مناهضة التعذيب): تقييد النشطاء وإجبارهم على لبس ملابس السجناء.
4. انتهاك حرمة السفن المدنية واتفاقية جنيف الرابعة)، فالهجوم على سفينة تحمل شعار الصليب الأحمر يمثل خرقا للقانون الدولي وقانون البحار
لماذا لا يُحاسبون؟
منذ 2001، استخدمت أمريكا 43 فيتو ضد أي قرار يدين إسرائيل. وهي الحارس والراعي الأكبر لكل الإرهاب الإسرائيلي، فحينما قرصنت إيران علي سفينة بريطانية في 2019، فرض الغرب عقوبات خلال ساعات. بينما إسرائيل تختطف 36 سفينة اخرهَم السفينة مادلين بلا اي عقاب.
والسفينة “مادلين” لم تكن الأخيرة، فإسرائيل أعدت بالفعل زنازين لأي أسطول أو سفينة قادمة لكسر الحصار عن غزة ومنها سفينة تونسية في طريقها لشواطئ غزة، وأسطول “الأمل” القادم من جنوب أفريقيا.
والسؤال ليس متى ستصل السفن، بل متى سيسمح العالم بتوصيل قطعة خبز لأطفال غزة؟!