الوفاق الرمضاني – العدد 6| الرد على شبهة التشكيك في صحة السنة النبوية والزعم بأنها من اختراع المسلمين

ملحق الوفاق الرمضاني – العدد السادس في شهر رمضان 1446 هجري – 2025 م
جريدة الوفاق – السنة الأولى (العدد 223) – الخميس 6 رمضان 1446 هجري- 6 مارس 2025

الشبهات التي تطعن في الإسلام والردود عليها (6 )
مقدمة
يتعرض الإسلام منذ اللحظات الأولى لظهوره – ولا يزال حتى اليوم – للهجوم وإثارة الشبهات حوله والتشكيك في عقائده وتعاليمه، والواقع يبين لنا أن الشبهات التي تثار ضد الإسلام منذ ظهر وحتى اليوم هي شبهات مكررة ولا تختلف مع بعضها إلا في الصياغة أو محاولة إعطائها صبغة علمية. ومواجهة تلك الشبهات تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من أجل توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، ونشر ذلك على أوسع نطاق خاصة في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والاستخدام المتزايد لشبكة الاتصالات الدولية “الإنترنت “، وقد نهض مفكرو الإسلام – في فترات مختلفة – بالقيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل الأقوم للرد.
وتعميما للفائدة، ستواصل صحيفة ” الوفاق” خلال شهر رمضان المبارك، نشر الردود على كل شبهة من هذه الشبهات المثارة، والتي تتردد في عصرنا بشكل أو بآخر، من خلال عرض ما جاء في بعض المراجع منها كتاب ” حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك ” للدكتور محمود حمدي زقزوق، وهو من إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في مصر بتاريخ المحرم ١٤٢٢هـ – أبريل ٢٠٠١م . وكتاب” مختارات من كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين” – إشراف وتقديم د . محمود حمدى زقزوق – وزارة الأوقاف – القاهرة – بدون تاريخ. وكتاب ” في جولة مع المستشرقين ” – للأستاذ عبد الخالق سيد أبو رابية – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة 1976. ونأمل أن يسهم نشرنا لهذه الردود في توضيح الصورة الحقيقية للإسلام وإزالة بعض ما علق بالأذهان من سوء فهم لتعاليمه وعقائده، والله من وراء القصد.

ثانيا – الردود على الشبهات التي تطعن في النبي محمد صلى الله عليه وسلم
الشبهة الثانية – التشكيك في صحة السنة النبوية والزعم بأنها من اختراع المسلمين في العصور الأولى للإسلام
يشكك بعض علماء الإسلاميات في الغرب في صحة السنة النبوية، ويعتبرها جولد تسيهر ( Goldzieher) من اختراع المسلمين في العصور الأولى للإسلام .
الرد على الشبهة:
1 – السنة النبوية هي المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن الكريم . والنبي مأمور في القرآن بتبليغ ما أنزل إليه من الوحى القرآني ، وفى الوقت نفسه مأمور بتبيين الوحي القرآني (۲) . وهذا البيان هو السنة النبوية التي تشمل قوله أو فعله أو ما أقره . وقد أشار النبي نفسه إلى ضرورة التمسك بسنته فى قوله في خطبته المشهورة في حجة الوداع: [ تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ] .
2 – لسنا ننكر أن هناك الكثير من الأحاديث الموضوعة أو المكذوبة المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن هذا لم يكن في يوم من الأيام خافيا على علماء المسلمين في مختلف العصور . ومن أجل ذلك فانهم لم يفرطوا إطلاقا في ضرورة التدقيق الذى لا حد له في رواية الأحاديث . فقد وضع القرآن أمامهم أهم قاعدة من قواعد النقد التاريخي في قوله : ( يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) . وتتمثل هذه القاعدة في أن أخلاق الراوي تعد عاملا هاما في الحكم على روايته .
وقد أفاد المسلمون إفادة عظيمة من هذه القاعدة وطبقوها على رواة الأحاديث النبوية . وقد كان تطبيق هذا المنهج النقدى على رواة الأحاديث هو الذى تطورت عنه بالتدريج قواعد النقد التاريخي.
3- ونظرا لأهمية السنة بالنسبة للإسلام فقد بذل علماء المسلمين جهودا خارقة لتوثيقها وتمييز الثابت منها من غير الثابت ، وأنشأوا علوما جديدة للحديث النبوى لخدمة هذا الغرض . فهناك علم الرجال ، وعلم الاسناد ، وعلم الجرح والتعديل وغيرها ، وكلها تتتبع رواة الأحاديث وتدرس أحوالهم ، وما ظهر من أمرهم وما خفى للتأكد من مدى صدقهم فيما نقلوه عن الرسول ، وبخاصة أن النبي نفسه قد حذر من الكذب عليه حين قال : [ من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ] .
4 – كنموذج من بين النماذج العديدة لجهود علماء المسلمين في توثيق الحديث النبوى نشير إلى جهود الإمام البخاري (۸۱۰-۸۷۰م) الذي أفنى حياته كلها في خدمة الحديث النبوى . فقد جمع هذا العالم أكثر من نصف مليون حديث منسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولكنه بعد الفحص والتدقيق لم يأخذ منها في صحيحه نتيجة للمنهج العلمي الدقيق والشروط الصارمة التي وضعها إلا حوالى تسعة آلاف حديث، فإذا حذفنا منها الأحاديث المكررة لم يبق في صحيح البخاري إلا حوالي ثلاثة آلاف حديث فقط . وهكذا صنع غيره من علماء الحديث.
5 – بعد الجهود المضنية لعلماء الحديث في سبيل توثيق الأحاديث النبوية اعتمد المسلمون ستة كتب في هذا المجال هي : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن كل من النسائي وأبي داود والترمذي وابن ماجة ، وهناك مؤلفات إسلامية عديدة أشارت إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يصل عددها إلى عشرات الآلاف.
ومن ذلك يتضح أن علماء المسلمين قد خدموا السنة النبوية بما لا نظير له لدى الأمم الأخرى، وأن الشك فيها جملة وتفصيلا أمر لا مبرر له .
- مراجع هذه الردود:
- كتاب ” حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك ” للدكتور محمود حمدي زقزوق – أبريل ٢٠٠١م .
