المحلياتتقارير ودراساتثقافة وفنونعاجل

الوفاق الرمضاني – العدد 13 | الرد على شبهة تعظيم الحجر الأسود وشبهة عدم الاعتراف بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم

جريدة الوفاق – السنة الأولى (العدد 230 ) – الجمعة والسبت 14 و 15 رمضان 1446 هجري- 14 و15 مارس 2025

ملحق الوفاق الرمضاني 13

الشبهات التي تطعن في الإسلام والردود عليها (13)

مقدمة

يتعرض الإسلام منذ اللحظات الأولى لظهوره – ولا يزال حتى اليوم – للهجوم وإثارة الشبهات حوله والتشكيك في عقائده وتعاليمه، والواقع يبين لنا أن الشبهات التي تثار ضد الإسلام منذ ظهر وحتى اليوم هي شبهات مكررة ولا تختلف مع بعضها إلا في الصياغة أو محاولة إعطائها صبغة علمية. ومواجهة تلك الشبهات تكون ببذل جهود علمية مضاعفة من أجل توضيح الصورة الحقيقية للإسلام، ونشر ذلك على أوسع نطاق خاصة في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والاستخدام المتزايد لشبكة الاتصالات الدولية “الإنترنت “، وقد نهض مفكرو الإسلام – في فترات مختلفة – بالقيام بواجبهم في الرد على هذه الشبهات كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الذي يعتقد أنه السبيل الأقوم للرد.

وتعميما للفائدة، ستواصل صحيفة ” الوفاق” خلال شهر رمضان المبارك، نشر الردود على كل شبهة من هذه الشبهات المثارة، والتي تتردد في عصرنا بشكل أو بآخر، من خلال عرض ما جاء في بعض المراجع منها كتاب ” حقائق إسلامية في مواجهة حملات التشكيك ” للدكتور محمود حمدي زقزوق، وهو من إصدار المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في مصر بتاريخ المحرم ١٤٢٢هـ – أبريل ٢٠٠١م . وكتاب” مختارات من كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين” – إشراف وتقديم  د . محمود حمدي زقزوق – وزارة الأوقاف – القاهرة – بدون تاريخ.  وكتاب ” في جولة مع المستشرقين ” – للأستاذ عبد الخالق سيد أبو رابية – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة 1976. ونأمل أن يسهم نشرنا لهذه الردود في توضيح الصورة الحقيقية للإسلام وإزالة بعض ما علق بالأذهان من سوء فهم لتعاليمه وعقائده، والله من وراء القصد.

ثانيا – الردود على الشبهات التي تطعن في النبي محمد صلى الله عليه وسلم

الشبهة 11  : زعموا أن محمد صلى الله عليه وسلم يعظم الحجر الأسود وهو لا يختلف عن باقي الأحجار

الشبهة: إنهم في هذه المقولة ـ يريدون أن يتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يعظم الحجر الأسود ـ بل ويعظم الكعبة كلها بالطواف حولها وهى حجر لا يختلف في زعمهم عن الأحجار التي كانت تصنع منها الأوثان في الجاهلية وكأن الأمر سواء!!

الرد على الشبهة: يقول الدكتور عبد الصبور مرزوق ردا على هذه الشبهة: حقيقة الأمر أن من بعض ما استبقاه الإسلام من أحوال السابقين ما كان فيه من تعاون على خير أو أمر بمعروف ونهى عن منكر، من ذلك ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على حلف كان فى الجاهلية يسمى ” حلف الفضول ” وهو عمل إنساني كريم كان يتم من خلاله التعاون على نصرة المظلوم، وفداء الأسير، وإعانة الغارمين، وحماية الغريب من ظلم أهل مكة وهكذا.. وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الحلف وقال: لو دعيت إلى مثله لأجبت.

وأيضًا كان مما استبقاه الإسلام من فضائل السابقين مما ورثوه عن إبراهيم – عليه السلام – تعظيمهم للبيت الحرام وطوافهم به؛ بل وتقبيلهم للحجر الأسود. وهناك بعض مرويات تقول إن هذا الحجر من أحجار الجنة.

وهنا فقط لا يكون أمامنا إلا ما ثبت من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقبل الحجر الأسود عند طوافه بالبيت، وهو ما تنطق به الرواية عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أنه قال عن تقبيله لهذا الحجر: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك).

وهنا نقول: من المستحيل أن يكون تقبيل الرسول صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود من باب المجاراة أو المشاكلة لعبدة الأصنام فيما كانوا يفعلون. ومستحيل أيضًا أن يكون صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك – أي تقبيل الحجر الأسود – دون وحي أو إلهام وجهه صلى الله عليه وسلم إلى تقبيل الحجر بعيدًا عن أي شبهة وثنية أو مجاراة لعبدة الأصنام. ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: [خذوا عنى مناسككم] فقد أصبح تقبيل الحجر الأسود من بعض مناسك الحجاج والعمار للبيت الحرام.

كما أن تعظيم الحجر الأسود هو امتثال لأوامر الله الذى أمر بتعظيم هذا الحجر بالذات، وهو سبحانه الذى أمر برجم حجر آخر كمنسك من مناسك الحج فالأمر بالنسبة للتعظيم أو الرجم لا يعدو كونه إقرارًا بالعبودية لله تعالى وامتثالاً لأوامره عز وجل واستسلامًا لأحكامه.

المصدر: كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين – مجموعة علماء – وزارة الأوقاف المصرية – 1423 هـ – 2002 م

الشبهة 12: عدم الاعتراف بعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم والتشكيك في موقف القرآن من العصمة

الشبهة: هناك من لا يعترفون بأن الرسول معصوم من الخطأ، ويقدمون الأدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك عندما جامل الرسول صلى الله عليه وسلم، زوجاته، ونزلت الآية الكريمة التي تنهاه عن ذلك.

الرد على الشبهة: يقول الدكتور محمد عمارة في الرد على الشبهة: إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عصمة كل الرسل – عليهم السلام – يجب أن تفهم في نطاق مكانة الرسول.. ومهمة الرسالة.. فالرسول: بشر يُوحَى إليه.. أي أنه – مع بشريته – له خصوصية الاتصال بالسماء، بواسطة الوحي.. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضي صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه، كى تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكلة إلى صاحبها.

والرسول مكلف بتبليغ الرسالة، والدعوة إليها، والجهاد فى سبيل إقامتها وتطبيقها.. وله على الناس طاعة هى جزء من طاعة الله – سبحانه وتعالى – (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (١) (قل أطيعوا الله والرسول) (٢) (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (٣) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) (٤) ولذلك كانت عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة فى هذا البلاغ الإلهي الذى اختيروا ليقوموا به بين الناس.. وبداهة العقل – فضلاً عن النقل – تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفى الصدق على رسالته، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله، الذى يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء الثقة والصدق على البلاغ الإلهى.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذى يبلغون.

وفى التعبير عن إجماع الأمة على ضرورة العصمة للرسول فيما يبلغ عن الله، يقول الإمام محمد عبده عن عصمة الرسل – كل الرسل -: “.. ومن لوازم ذلك بالضرورة: وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم، وصحة عقولهم، وصدقهم فى أقوالهم، وأمانتهم فى تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه، وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات، وأن أرواحهم ممدودة من الجلال الإلهي بما لا يمكن معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها سطوة روحانية.. أما فيما عدا ذلك -[أى الاتصال بالسماء والتبليغ عنها]- فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده، يأكلون ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام، ويمرضون وتمتد إليهم أيدى الظلمة، وينالهم الاضطهاد، وقد يقتلون ” (٥) .

فالعصمة – كالمعجزة – ضرورة من ضرورات صدق الرسالة، ومن مقتضيات حكمة من أرسل الرسل – عليهم السلام -.. وإذا كان الرسول – كبشر – يجوز على جسده ما يجوز على أجساد البشر.. وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان يمارس الاجتهاد والشورى وإعمال العقل والفكر والاختيار بين البدائل فى مناطق وميادين الاجتهاد التى لم ينزل فيها وحى إلهى.. فإنه معصوم فى مناطق وميادين التبليغ عن الله – سبحانه وتعالى – لأنه لو جاز عليه الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير الأولى فى مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق الشك إلى صلب الرسالة والوحي والبلاغ، بل وإلى حكمة من اصطفاه وأرسله ليكون حُجة على الناس.. كذلك كانت العصمة صفة أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل – عليهم السلام -.. فالرسول فى هذا النطاق – نطاق التبليغ عن الله – (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى) (٦) . وبلاغة ما هو بقول بشر، ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله، وبغير العصمة لا يتأتى له هذا المقام.

أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا وحى فيه، والتى هى ثمرة لإعماله لعقله وقدراته وملكاته البشرية، فلقد كانت تصادف الصواب والأولى، كما كان يجوز عليها غير ذلك.. ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة، رضوان الله عليهم فى كثير من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات وآراء واجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه – قبل الإدلاء بمساهماتهم فى الرأى – هذا السؤال الذى شاع فى السُّنة والسيرة: ” يا رسول الله، أهو الوحى؟ أم الرأى والمشورة؟.. “

فإن قال: إنه الوحى. كان منهم السمع والطاعة له، لأن طاعته هنا هى طاعة لله.. وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من هذا الأمر عن عقولهم، لأن علم الله – مصدر الوحى – مطلق وكلى ومحيط، بينما علمهم نسبى، قد تخفى عليه الحكمة التى لا يعلمها إلا الله.. أما إن قال لهم الرسول – جوابًا عن سؤالهم -: إنه الرأى والمشورة.. فإنهم يجتهدون، ويشيرون، ويصوبون.. لأنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصومًا، وإنما هو واحد من المقدمين فى الشورى والاجتهاد.. ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة ومتناثرة فى كتب السنة ومصادر السيرة النبوية – فى مكان القتال يوم غزوة بدر.. وفى الموقف من أسراها.. وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد.. وفى مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق.. إلخ.. إلخ.

ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون القدوة والأسوة للأمة (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا) (٧) .

وحتى لا يقتدى الناس باجتهاد نبوى لم يصادف الأولى، كان نزول الوحى لتصويب اجتهاداته التى لم تصادف الأولى، بل وعتابه – أحيانًا – على بعض هذه الاجتهادات والاختيارات من مثل: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى * فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى) (٨) . ومن مثل: (يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير) (٩) . ومن مثل: (ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (١٠) .

وغيرها من مواطن التصويب الإلهي للاجتهادات النبوية فيما لم يسبق فيه وحى، وذلك حتى لا يتأسى الناس بهذه الاجتهادات المخالفة للأولى.

فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم، فيما يبلغ عن الله شرط لازم لتحقيق الصدق والثقة في البلاغ الإلهي، وبدونها لا يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين، ومن ثم لا يكون هناك فارق بين الوحى المعصوم والمعجز وبين الفلسفات والإبداعات البشرية التي يجوز عليها الخطأ والصواب.. فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحي والبلاغ قول بشر، بينما هي – بالعصمة – قول الله – سبحانه وتعالى – الذى بلغه وبينه المعصوم – عليه الصلاة والسلام -.. فعصمة المُبَلِّغ هى الشرط لعصمة البلاغ.. بل إنها – أيضًا – الشرط لنفى العبث وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا البلاغ.

هوامش: (١) النساء: ٥٩.  (٢) آل عمران: ٣٢.  (٣) النساء: ٨٠.  (٤) آل عمران: ٣١.  (٥) [الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده] ج٢ ص ٤١٥، ٤١٦، ٤٢٠، ٤٢١. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة ١٩٩٣م.  (٦) النجم: ٣-٤.  (٧) الأحزاب: ٢١.  (٨) عبس: ١-١٠.  (٩) التحريم: ١-٣. (١٠) الأنفال: ٦٧-٦٨.

المصدر: كتاب حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين – مجموعة علماء – وزارة الأوقاف المصرية – 1423 هـ – 2002 م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock