
كونا – في مشاهد باتت تتكرر في بعض المناطق بدولة الكويت تحولت مساحات قاحلة إلى واحات خضراء بفضل تجمعات السيول التي خلفتها الأمطار الموسمية ما أسفر عن تغير لافت في الغطاء النباتي يكشف عن الأثر الإيجابي لتجميع المياه واستثمارها في تعزيز الحياة البيئية وتغذية التربة.
وعلى الطريق المؤدية إلى سوق (الفرضة) في منطقة الصليبية باتجاه منطقة كبد تجمعت سيول الأمطار لتضفي على المنطقة جمالا استثنائيا بمساحتها الخضراء والأعشاب المتنوعة وسط مستنقعات مائية يطغى الجفاف على ما حولها.
هذا التحول تجسيد حي لقدرة مياه الأمطار والسيول على إحياء وجه البيئة في وقت تسعى فيه الدول لإيجاد حلول مستدامة لمواجهة التصحر وشح المياه.
الغطاء النباتي الذي يبدو كأنه “ومضة حياة” ظهر بفعل أمطار غزيرة وسيول شهدتها دولة الكويت في شهر نوفمبر عام 2018 فبعثت الحياة في تربتها الجافة لتتحول إلى بساط أخضر لافت.
ويبرز ذلك أهمية الاستفادة من كنز مهدور لا يستثمر بالشكل الأمثل رغم ما يحمله من إمكانات بيئية هائلة من خلال توجيهه لإحياء المناطق الجافة ودعم الغطاء النباتي في بيئة صحراوية تشكل نسبة 90 في المئة من مساحة دولة الكويت.
وبعد تسجيل كميات كبيرة من الأمطار ورصد جريان السيول في عام 2018 تدفقت المياه واستقرت في المنطقة لتشكل بحيرة عملاقة غيرت ملامح المكان وأسهمت في ظهور الأعشاب ونمو النباتات في مشهد يبرز أثر الأمطار على إعادة الحياة إلى الأرض القاحلة.
ويمثل توجيه السيول إلى أكثر من منطقة أحد الحلول المستدامة لإعادة إحياء البيئة خصوصا في الدول ذات المناخ الصحراوي مثل الكويت فاستثمار مياه السيول وتوزيعها على مناطق متفرقة يسهم في إنعاش التربة وتحفيز نمو الغطاء النباتي.
لكن مع ارتفاع درجات الحرارة صيفا تبرز أهمية تغذية برك الماء عبر عدد من الأساليب البيئية والهندسية ومنها إنشاء أحواض وخزانات لتجميع مياه السيول وتوجيهها بطرق مدروسة بهدف دعم النظام البيئي والحفاظ على الغطاء النباتي الذي نشأ بفعل الأمطار.
ويعد ذلك من الحلول البيئية الناجعة لضمان استدامة المساحات الخضراء ومنع جفاف التربة في ظل درجات الحرارة المرتفعة صيفا من خلال تزويدها بالمياه الفائضة أو المعالجة ثلاثيا عن طريق شبكات توزيع بسيطة أو ضخ المياه بشكل دوري في المناطق المستهدفة.
وبالفعل لوحظ أخيرا بناء سدود ترابية وأحواض لاحتجاز مياه الأمطار والسيول مما يتيح تسربها إلى التربة ودعم نمو أشجار صحراوية وتحويل مساحات من الأراضي الجرداء إلى مناطق نباتية كثيفة.
فعلى الرغم من قصر موسم الأمطار وقلة كمياتها فإن إدارة هذه المياه وتوظيفها بشكل ذكي يمكن أن يحقق فوائد بيئية واقتصادية مهمة في بلد لطالما حرص على ترجمة التوجهات العالمية في مجال الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر وتمثل ذلك في إنشاء محميات طبيعية لحماية البيئة مثل (محمية صباح الأحمد الطبيعية) و(محمية الجهراء الطبيعية) و(محمية الخويسات).
وفي هذا الصدد أكدت المدير العام للهيئة العامة للبيئة بالتكليف نوف بهبهاني في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم حرص الهيئة على حماية المسطحات الخضراء والتجمعات النباتية خاصة في مواجهة تأثيرات الأمطار الموسمية من خلال تنفيذ مشروعات لتسييج هذه المواقع في مختلف مناطق البلاد.
وقالت بهبهاني إن أعمال التسييج تهدف إلى الحفاظ على الغطاء النباتي ومنع الرعي الجائر وضمان استمرار تغذية المخزون الجوفي بمياه الأمطار بهدف دعم استدامة الحياة النباتية والحد من ظاهرة التصحر التي تعد أحد أبرز التحديات البيئية في البلاد.
وأضافت أن هذه الجهود تأتي ضمن خطط الهيئة لتعزيز المشهد الحضري وتحسين جودة البيئة ودعم أهداف الدولة في زيادة الرقعة الخضراء مشيرة إلى أن حماية هذه المسطحات تسهم كذلك في الحفاظ على التربة وتنظيم استخدام الموارد الطبيعية.
وأشارت إلى أهمية استثمار مياه الأمطار والسيول باعتبارها موردا مائيا بديلا مؤكدة أن هذه المياه تمثل فرصة واعدة تسهم في دعم الامن المائي للبلاد من خلال استخدامها في تغذية الخزانات الجوفية وإنشاء بحيرات صناعية ومسطحات خضراء تعمل على تحسين البيئة المحلية والحد من آثار التغير المناخي.
وأوضحت أن الهيئة تعمل على وضع خطط عملية لتعزيز جهود الدولة في حماية البيئة وتنمية مواردها الطبيعية والاستفادة المثلى من مياه الأمطار بدلا من هدرها وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الأشغال العامة ووزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة وبلدية الكويت إلى جانب الجمعيات البيئية بما يخدم أهداف مشروع إدارة مياه الأمطار ويتماشى مع رؤية (كويت جديدة 2035).
من جهتها قالت الأمين العام للجمعية الكويتية لحماية البيئة جنان بهزاد في تصريح ل(كونا) إن حصاد مياه الأمطار يمثل أحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة تحديات ندرة المياه في البيئات الجافة وشبه الجافة مثل الكويت مشيرة إلى دوره “المهم” في تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها في دعم الأنشطة الزراعية والبيئية بدلا من فقدانها عبر الجريان السطحي أو التبخر.
وشددت على أهمية تعزيز الأمن المائي عبر تنظيم تدفق مياه الأمطار والسيول وتحويلها إلى خزانات أو أحواض طبيعية مما يخفف الضغط على شبكات التصريف والبنية التحتية ويساعد على التكيف مع التغيرات المناخية وإعادة تغذية المياه الجوفية وتحسين الغطاء النباتي في المناطق المتأثرة بالتصحر.
وأشارت إلى أهمية بعض الأودية والتلال في دولة الكويت ومنها وادي (أم الرمم) ووادي (الباطن) و(سهل الدبدبة) لاسيما خلال موسم هطل الأمطار في الشتاء وما يصاحبها من فيضانات مفاجئة ناتجة عن عواصف مطرية كما حدث في الأعوام 1967 و1997 و2009 و2013 و 2018 .
ودعت إلى الاستفادة من حصاد مياه الأمطار في دولة الكويت التي تعاني من شح شديد في الموارد الطبيعية للمياه العذبة إذ لا تمتلك أنهارا أو بحيرات دائمة وتعتمد بشكل شبه كامل على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتها اليومية.
ولفتت كذلك إلى أهمية مياه (الخباري) و(الفيضات) التي تتشكل على مساحات واسعة في موسم الأمطار ومنها خبرة (الجليعة) التي يؤثر بقاء المياه فيها على حجم الغطاء النباتي حول الخبرة طوال السنة وتنتشر النباتات بشكل انسيابي لتشكل نظام ايكولوجي مميز.
وأكدت أن مثل هذه الممارسات بحسب الدراسات تسهم في تقليل الاعتماد على المياه الجوفية التي تتعرض للاستنزاف وتساعد على توفير بدائل لري المزروعات والمساحات الخضراء ما يدعم جهود مكافحة التصحر وتعزيز الغطاء النباتي.
وتؤكد الدراسات أن تعزيز الوعي البيئي ونشر ثقافة تجميع مياه الأمطار بات ضرورة ملحة خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه أو تقلبات مناخية متزايدة موضحة أن الحلول البيئية الذكية هي الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة.
وسجلت دراسات ميدانية وعلمية تأثيرات إيجابية ملموسة لتقنيات تجميع مياه الأمطار في المناطق القاحلة وشبه القاحلة إذ لاحظ الباحثون نمو النباتات بشكل كبير وتشكيل غطاء نباتي في تربة ارتفعت فيها مستويات الكربون العضوي والنيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم.
وأظهرت الدراسات أن جمع مياه الأمطار زود التربة برطوبة مستقرة مما دعم نمو الأعشاب والنباتات حتى خلال فترات الصيف شديد الحرارة.
ويؤكد خبراء بيئيون “وفق هذه الدراسات” أن استثمار مياه الأمطار في الكويت يمكن أن يستخدم أيضا في مكافحة التصحر والحد من زحف الرمال إلى جانب تعزيز الغطاء النباتي بالمناطق المفتوحة مما يسهم في تحسين جودة الهواء ومقاومة آثار التغير المناخي المحلي.
ويعد تكرار مشروعات تجميع مياه الأمطار في مناطق متعددة من الكويت خطوة حيوية نحو تعظيم الفائدة البيئية والاستفادة القصوى من هذا المورد الطبيعي الموسمي.