دراسة خاصة ل”الوفاق”| جولة ترامب الخليجية: هل نشهد قريبا ميلاد “القرن الخليجي” ؟
جولة ترامب كشفت عن صعود دول الخليج العربي كمركز للقوة الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية العالمية

- الأمل معقود على قدرة القيادات الخليجية على تحويل الثروة إلى إرث دائم عبر تعليم مبتكر وبنية تحتية ذكية ودبلوماسية استباقية
- الجولة أحدثت تحولات جيوسياسية واقتصادية تعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط
- الولايات المتحدة تراهن على دول الخليج العربي كشريك استراتيجي أول في المنطقة
- ترامب تجاوز الحليف التقليدي إسرائيل وحاصر النفوذ الإيراني الذي طالما هيمن على المشهد الإقليمي
- الدور الكويتي بمثابة جسر ديبلوماسي في ظل التحالفات المتغيرة
- الكويت قادرة على البقاء في قلب المشهد بالمساعدة في تطويق الأزمات الخليجية والإقليمية
- زيارة ترامب لدول الخليج استمرت 4 أيام بدأت بالسعودية ثم قطر وانتهت بالإمارات وعقد خلالها صفقات ب4 تريليون دولار
- ترامب تجاهل زيارة إسرائيل بسبب الخلافات العنيفة مع نتنياهو واعطي الأولوية للخليج


























دراسة خاصة ل”الوفاق”
جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخليجية التاريخية استمرت 4 أيام من 13 إلى 16 مايو 2025 ، بدأت بالسعودية ثم قطر وانتهت بالإمارات وتم الإعلان عن صفقات استثمارية وعسكرية وتكنولوجية غير مسبوقة، تصل قيمتها الإجمالية إلى 4 تريليونات دولار .
لم تكن الزيارة مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل نقطة تحول كبرى تعكس صعود الخليج العربي كمركز للقوة الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية العالمية، وتؤكد أن الولايات المتحدة تراهن على دول الخليج كشريك استراتيجي أول في المنطقة، متجاوزةً الحليف التقليدي إسرائيل، ومحاصرةً النفوذ الإيراني الذي طالما هيمن على المشهد الإقليمي.
مكاسب تاريخية
لقد حصل الخليج العربي على مكاسب غير مسبوقة لتعزيز مكانته الإقليمية والدولية والتكنولوجية والعسكرية من خلال هذه الزيارة ومنها :
1. الصفقات التاريخية: أسلحة متطورة وتوطين التكنولوجيا الفائقة:
حيث شهدت الجولة توقيع اتفاقيات ضخمة في مجالات الدفاع والطيران والذكاء الاصطناعي، تجاوزت توقعات المراقبين
السعودية: وقعت صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 142 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ العلاقات الأمريكية، تشمل معدات عسكرية متطورة وأنظمة دفاع جوي . بالإضافة إلى ذلك، تعهدت الرياض باستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، منها 14.5 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية .
قطر: أبرمت صفقة شراء 210 طائرات بوينج بقيمة 96 مليار دولار، إلى جانب استثمار 10 مليارات دولار في منشآت عسكرية أمريكية . كما حصلت على ضمانات أمنية أمريكية لمواجهة التهديدات الإقليمية .
الإمارات: أعلنت شراكة لبناء أكبر مجمع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، بقدرة 5 غيغاوات، مما سيمكنها من استيراد 500 ألف رقيقة إلكترونية متقدمة سنويًا لدعم هذا المشروع .
هذه الصفقات ليست مجرد تدفقات مالية، بل شراكات استراتيجية طويلة الأمد تعزز نقل التكنولوجيا وتوطينها في الخليج، مما يضع المنطقة على خريطة الابتكار العالمي.
2. انتصار دبلوماسي سعودي
أحد أبرز النتائج غير المتوقعة للزيارة كان الإعلان عن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، بعد لقاء ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض . هذا القرار يُعد انتصارًا للدبلوماسية السعودية، التي نجحت في إعادة سوريا إلى الحضن الغربي بعد عقود من الهيمنة الإيرانية تحت حكم بشار الأسد. ورفع العقوبات سيفتح الباب أمام استثمارات خليجية ضخمة في سوريا، ستعيد إعمار البلد وتقلص النفوذ الإيراني بشكل جذري إن لم يكن نهائيا . وقاد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذا التحول، عبر ترتيب اللقاء بين ترامب والشرع، مما يعزز مكانة الرياض كقائد إقليمي قادر على إدارة الملفات الشائكة .
3. الخليج العربي: البوصلة الجديدة للسياسة الأمريكية
اختار ترامب دول الخليج كأول محطة خارجية له بعد توليه السلطة، متجاهلًا إسرائيل للمرة الأولى في تاريخ الزيارات الرئاسية الأمريكية. هذا القرار يحمل رسائل واضحة منها : تراجع أولوية إسرائيل، وهو ما يعكس التوتر بين ترامب ونتنياهو بسبب استمرار حرب غزة، ويفضل الرئيس الأمريكي التعامل مع قيادات خليجية أكثر مرونة وحكمة من نتنياهو المتصلف المتطرف
ومواجهة إيران: تعزيز التحالفات الخليجية-الأمريكية يشكل سدًا منيعًا ضد التمدد الإيراني، خاصة مع تزايد التعاون في مجال الدفاع المشترك .
والقيادة الإقليمية: أصبحت السعودية والكويت والإمارات وقطر نقاط ارتكاز للاستقرار في الشرق الأوسط، بدلًا من الدول التي أنهكتها الصراعات مثل العراق ولبنان، والتي بدأت تتحرر من الهيمنة الإيرانية لتنضم إلى المحور الخليجي .
4. تداعيات إيجابية على الأمن القومي الخليجي
تعزز الصفقات العسكرية أمن دول الخليج عبر تزويدها بأحدث الأنظمة الدفاعية.
وستتمكن السعودية من مواجهة التهديدات الصاروخية والمسيرات المعادية بفضل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة . وستتعزز قطر وجودها الاستراتيجي كشريك أمني للولايات المتحدة وستتصبح الإمارات مركزًا لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، مما يعزز أمنها السيبراني وقدراتها الاستخباراتية . وهذه الخطوات لا تحمي الخليج فحسب، بل تعيد توازن القوى في المنطقة لصالح التحالف الغربي-الخليجي.
5. الآثار الاقتصادية..شراكات تعود بالنفع على الطرفين
الاستثمارات الخليجية المعلنة والصفقات التي تم الإعلان عنها في الزيارة، ليست أموالًا سائلة سيتم نقلها في حقائب إلى واشنطن، بل مشاريع مشتركة تعود بالفائدة على اقتصادات الخليج والولايات المتحدة معا، ومن بين تلك المشاريع
توطين الصناعات الدقيقة
فمشروع الذكاء الاصطناعي الإماراتي سيوفر آلاف الوظائف ويدرب كوادر محلية على التقنيات الكبرى التي تحكم مستقبل العالم كما تشمل الصفقات السعودية استثمارات في الطاقة النظيفة والتكنولوجيا، مما يسهم في رؤية 2030 . كما ستؤدي تلك الاتفاقيات إلى ازدهار التبادل التجاري بين الخليج وأمريكا، خاصة في مجالات الطيران والطاقة، يدعم النمو الاقتصادي المتبادل .
6. تأثيرات محتملة على القضية الفلسطينية وحرب غزة
رغم عدم وجود إعلانات مباشرة، فإن تعزيز التحالف الخليجي-الأمريكي قد يُحدث تحولات غير مباشرة لصالح الفلسطينيين فدعم ترامب للخليج يمنح الدول العربية قوة تفاوضية أكبر لدفع واشنطن للضغط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة، وإقامة دولة فلسطينية و قد تخصص دول الخليج جزءًا من استثماراتها الأمريكية لدعم إعادة إعمار غزة والضفة الغربية، كجزء من صفقات أوسع .
كما يمكن للرياض أن تطرح نفسها وسيطًا جديدًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مستفيدةً من نفوذها المتصاعد في واشنطن .
7. استشراف المستقبل: الخليج مركزًا للقوة العالمية
تشير نتائج هذه الجولة إلى تحولات عميقة ستشهدها المنطقة خلال السنوات المقبلة:
الريادة التكنولوجية: مشاريع الذكاء الاصطناعي في الإمارات والسعودية قد تجعل الخليج منافسًا للصين والولايات المتحدة في هذا المجال .
النفوذ الإقليمي: مع انحسار الدور الإيراني وتراجع الثقة بإسرائيل، ستصبح الرياض والمناَمة وأبوظبي والدوحة محاور رئيسية لصنع القرار في الشرق الأوسط .
كما أن التعزيزات العسكرية وصفقات السلاح غير المسبوقة سترفع سقف الردع الخليجي ضد أي تهديدات، مما يجعل المنطقة أكثر جذبًا للاستثمارات العالمية .
8. مكافحة الإرهاب والجريمة السيبرانية
ولم تقتصر الصفقات على الأسلحة التقليدية، بل شملت تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة السيبرانية، وهو ما يعكس فهمًا متطورًا لطبيعة التهديدات في القرن الحادي والعشرين:
وأعلنت السعودية والإمارات عن إنشاء مركز مشترك للذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بالشراكة مع شركات أمريكية مثل مايكروسوفت وبالانتير، لمواجهة الهجمات الإلكترونية التي تشنها جماعات مدعومة إيرانيًا.
وتعهدت قطر بإنشاء قاعدة بيانات استخباراتية مشتركة مع الولايات المتحدة، ستسهم في تعقب تمويل الإرهاب وحركة الميليشيات في العراق واليمن.
حرب المسيرات
كما تضمنت الصفقات تزويد السعودية بأنظمة ليزر متطورة قادرة على إسقاط المسيرات المسلحة، والتي استخدمتها الحوثيون في استهداف المنشآت النفطية وعلى رأسها أرامكو وهذه الخطوات تؤسس لـعصر جديد من الأمن الذكي، حيث تصبح دول الخليج شريكًا استباقيًا في حماية المصالح الغربية، بدلًا من الاعتماد الكلي على الحماية الأمريكية.
9. النفط والطاقة النظيفة:
رغم أن الصفقات ركزت على التكنولوجيا والسلاح، إلا أن قضية الطاقة ستظل حاضرة بقوة، خاصة مع تزامن الزيارة مع أزمة الوقود العالمية:
و تعهدت السعودية بزيادة إنتاجها النفطي إلى 15 مليون برميل يوميًا في حال تعطل الإمدادات الروسية، مما يعزز موقعها كـبنك النفط العالمي.
و خصصت الإمارات 20 مليار دولار من استثماراتها الأمريكية لبناء محطات طاقة شمسية في تكساس وكاليفورنيا، بينما ستستورد السعودية تكنولوجيا أمريكية لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
هذا التحول نحو الاقتصاد الأخضر يضع دول الخليج في مصاف الدول الرائدة في معادلة الطاقة المستقبلية، بدلًا من الاكتفاء بدور المصدّر التقليدي.
10. الدبلوماسية الثقافية.. قوة الـ”سوفت باور” الخليجية
استثمرت دول الخليج زيارة ترامب في تعزيز صورتها كمراكز إشعاع حضاري، عبر حزمة مبادرات ثقافية وتعليمية:
الشراكات الأكاديمية: أعلنت قطر عن منح 5000 بعثة دراسية في جامعات أمريكية، بينما ستفتتح السعودية فروعًا لجامعات مثل هارفارد وستانفورد في مدن نيوم المستقبلية.
ووقعت الإمارات اتفاقية مع والت ديزني لإنشاء مدينة ترفيهية في دبي، تستهدف جذب مليوني سائح أمريكي سنويًا.
هذه المبادرات تسهم في كسر الصورة النمطية عن الخليج كمجتمعات مغلقة، وتعزز نفوذه الثقافي المباشر في الغرب.
11. الشرق الأوسط الجديد.. كيف سيبدو المشهد بعد 5 سنوات؟
بناءً على وتيرة التغيير الحالية، يمكن استشراف ملامح الإقليم بحلول عام 2029:
الانهيار الإيراني: مع تشديد العقوبات وانحسار النفوذ، قد تشهد إيران اضطرابات داخلية تُنهي حكم الملالي، لتصبح دولة علمانية موالية للغرب.
اندماج اقتصادي خليجي: قد تتحول اتفاقيات التكنولوجيا والطاقة إلى سوق خليجية موحدة، تمتلك عملة رقمية مشتركة وتتنافس مع التكتلات الآسيوية.
12. ماذا لو فشلت الصفقات؟
في حال لم تُنفذ الاتفاقيات بالكامل، ستكون التداعيات كارثية على المصداقية الخليجية:
تراجع الثقة الأمريكية: قد تعود واشنطن لتبني سياسة الانعزالية، تاركة الخليج يواجه التهديدات الإيرانية بمفرده.
انهيار الاقتصادات: تعثر مشاريع التكنولوجيا قد يؤدي إلى فقاعات استثمارية تُنهك الاحتياطيات المالية.
13. شراكة مصيرية تُعيد تعريف قواعد اللعبة العالمية
جولة ترامب الخليجية هي أكثر من تحول تكتيكي؛ إنها إعادة هندسة جيوسياسية تضع دول الخليج في قلب النظام الدولي. هذه الشراكة تثبت أن المنطقة لم تعد مجرد “ساحة خلفية” للصراعات، بل فاعل رئيسي قادر على إنتاج الاستقرار العالمي. ومع تصاعد التنافس الأمريكي-الصيني، يبدو أن الخليج قد اختار مكانه بوضوح: في قلب التحالف الغربي، لكن بشروط جديدة تفرضها قوته الاقتصادية المتنامية.
والنجاح المستقبلي لهذه التحالفات سيعتمد على قدرة القيادات الخليجية على تحويل الثروة إلى إرث دائم، عبر تعليم مبتكر، وبنية تحتية ذكية، ودبلوماسية استباقية. إذا تحقق ذلك، فسنشهد ميلاد “القرن الخليجي” الذي سيطبع العالم بثقافته وتكنولوجيته ورؤيته الاستراتيجية.
الدور الكويتي: جسر ديبلوماسي في ظل التحالفات المتغيرة
برزت الكويت كلاعب خفي في إنجاح زيارة ترامب، عبر أدوارها التقليدية كوسيط إقليمي فالكويت أجادت في التوسط بين الأشقاء حيث ساهمت في السابق في تقريب وجهات النظر القطرية-السعودية، مستفيدة من شبكة علاقاتها الواسعة. ولا تزال الكويت أحد أهم قنوات التواصل بين واشنطن وطهران، مما يعطيها دورًا محوريًا في أي مفاوضات مستقبلية.
كما أعلنت الكويت عن استثمار 3 مليارات دولار في مشاريع زراعية أمريكية، وهذا الدور يثبت أن الكويت، قادرة على البقاء في قلب المشهد بالمساعدة في تطويق الأزمات الخليجية والإقليمية ونزع فتيلها عبر دبلوماسية الهدوء بعيدا عن الضجيج الإعلامي.
التحديات الخفية
رغم الإيجابيات، فإن الشراكة الأمريكية-الخليجية ليست خالية من التحديات التي قد تعيق نجاحها منها:
الاستقطاب الداخلي الأمريكي: قد تلغى بعض الصفقات إذا فاز الديمقراطيون بالانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة مع انتقاداتهم المتكررة لـسجل حقوق الإنسان في الخليج.
الإرث الإيراني: لن تتنازل إيران بسهولة عن نفوذها في سوريا والعراق، وقد تعتمد على حلفاء جدد مثل الصين لتعويض خسائرها.
إدارة هذه التحديات تتطلب تعاونًا استخباراتيًا مكثفًا، وتنويعًا للتحالفات لتجنب الاعتماد المفرط على الطرف الأمريكي.