تحليل سياسي | الكويت تستقبل سوريا الجديدة بزيارة الشرع التي تؤسس لشراكة إستراتيجية في قلب التحول الإقليمي
الكويت.. قائد إقليمي بإمكاناتها الاقتصادية وحكمة قيادتها السياسية

خاص-الوفاق:
تستقبل الكويت الأحد الرئيس السوري أحمد الشرع في زيارة رسمية تاريخية، هي السابعة عربياً والتاسعة دولياً منذ توليه الرئاسة في يناير 2025. تأتي الزيارة بدعوة من سمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي يجتمع بصفته قائداً للكويت ورئيساً للدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي. هذه المحطة لا تعيد رسم العلاقات الثنائية فحسب، بل تؤكد دور الكويت كوسيط إقليمي فاعل وقوة داعمة للاستقرار في المنطقة، خاصة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 وبدء مرحلة إعادة إعمار سوريا.
وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للكويت تختزل تحولاً جوهرياً في السياسة الإقليمية: من منطق المحاور الأيديولوجية إلى منطق المصالح المشتركة والاستقرار. فالكويت، بقدرتها على الجمع بين الحكمة السياسية والإمكانات الاقتصادية، تقدم نفسها كقائد إقليمي قادرعلى قيادة ملفات معقدة مثل إعادة إعمار سوريا. هذا الدور لا يخدم مصلحة الكويت وسوريا فحسب، بل يمثل نموذجاً لدبلوماسية عربية جديدة تقوم على الشراكة بدلاً من الصراع.
العلاقات السورية الكويتية
قدمت الكويت دعماً مالياً وسياسياً لسوريا خلال عقود، خاصة في مواجهة التحديات الإقليمية. لكن العلاقات شهدت توتراً حاداً بعد 2011 بسبب موقف نظام الأسد من الاحتجاجات، ما دفع الكويت لسحب سفيرها وفرض عقوبات ضمن إطار جامعة الدول العربية.
واستضافت الكويت ثلاث مؤتمرات لمانحي سوريا بين 2013 و2017، جمعت مليارات الدولارات لدعم الشعب السوري، مما يؤكد التزامها الثابت بتخفيف معاناة السوريين حتى في ذروة القطيعة السياسية.
الإنفراجة الحالية
مع سقوط نظام الأسد وتولي الشرع، أعلنت الكويت في فبراير 2025 استئناف العلاقات الكاملة، وشدد وزير خارجيتها عبد الله اليحيا على “ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدتها” كأساس للتعاون الجديد.
تتعامل الكويت مع الشرع في نسخته الجديدة باعتباره رجل دولة ،حيث أظهر الشرع منذ توليه الرئاسة مرونة سياسية لافتة ،كما قام بخطوات جريئة حيث قام بحلَّ حزب البعث والأجهزة الأمنية القديمة، وألغى العمل بالدستور السابق، وشنَّ حملة دبلوماسية مكثفة شملت 9 دول خلال 5 أشهر فقط، من السعودية وتركيا إلى فرنسا ونجخ في رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بدعم خليجي ساعده في تحقيق ذلك .
وخلع الشرع “ثياب الأيديولوجيا في خطابه بحلب، وقال “حربنا مع الطغاة انتهت، وبدأت معركتنا ضد الفقر”، مما يعكس تحولاً جوهرياً من خطاب الثورة إلى خطاب التنمية. هذا التحول جعله مقبولاً لدى دول الخليج، خاصة أنه أخرج سوريا من المرحلة الإيرانية التي استمرت لعقود
الكويت رافعة لإعادة الإعمار
ولن تقف زيارة الشرع للكويت عند البعد الجيوسياسي والإستراتيجي في ظل التحولات الإقليمية غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة، الاقتصاد حاضر بقوة لا تقل عن السياسة في زيارة الشرع.
فلقد نجحت السعودية بدعم كويتي غير مباشر في رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا، مما فتح الباب لاستثمارات ضخمة.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أكد أن “بوادر الاستثمارات بدأت بعد رفع العقوبات”، وأصبحت سوريا الجديدة سوقا واعدة أمام الاستثمار الكويتي والتي تشمل عدة قطاعات من بينها البنية التحتية، حيث أن سوريا في فترة الحرب الأهلية شهدت تدمير 80% من الطرق والجسور،وهذا البند وحده يحتاج استثمارات تصل تصل إلى 100 مليار دولار.
كما أن الكويت ستوقع اتفاقيات استثمارية في مجال الطاقة، وسيدخل رأس المال والقطاع المصرفي الكويتي في عملية إعادة تأهيل النظام المالي السوري
زيارات رجال الأعمال
قبل 3 أسابيع، التقى وفد من رجال الأعمال الكويتيين بالشرع في دمشق، ناقشوا خلالها مشاريع في الصناعة والسياحة. وتعتزم الكويت زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين “لتوفير فرص وظيفية للشعب السوري” وفقاً لصحيفة الوطن السورية.
الكويت حارس الاستقرار الإقليمي
تؤكد الكويت أن إعادة إعمار سوريا هي الضمانة الوحيدة لقطع الطريق على تنظيمات متطرفة وإرهابية مثل داعش من استغلال الفراغ الأمني. هذا التوجه يتماشى مع سجل الكويت في استضافة المؤتمرات الأمنية لمحاربة الإرهاب العابر للحدود.
وتعمل الكويت مع السعودية والإمارات على إعادة دمشق إلى الحضن العربي، لمنعها من الوقوع مرة أخرى تحت النفوذ الإيراني أو الأيديولوجيات المتطرفة.
وزيارة وزير الخارجية السعودي بن فرحان لدمشق السبت – قبل زيارة الشرع للكويت بيوم – تؤكد هذا التنسيق الخليجي المتكامل.
موقف من العدوان الإسرائيلي
وشدد وزير الخارجية الكويتي على “رفض العدوان الصهيوني المستمر على سوريا”، وهو موقف يجمع عليه مجلس التعاون الخليجي.
دور الكويت الإقليمي
وتترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي في توقيت حاسم، مما يعطي لقاء الشرع مع أمير الكويت بُعداً خليجياً جماعياً، فدول المجلس تريد سوريا موحدة ومستقلة، وهو ما تعكسه الزيارات المتلاحقة للشرع إلى 6 دول خليجية خلال أشهر.
وتمثل استضافة الكويت للقمة الخليجية الأخيرة، ومؤتمرات المانحين، والمبادرات الأمنية، تأكيدا لا لبس فيه على قيادة الكويت لملف إعادة الإعمار السوري، وهذه الجهود تجعلها “وجهة دولية وإقليمية لمعالجة ملفات المنطقة”.
توقعات مستقبلية
يتوقع كثير من المراقبين والمتابعين للشأن السوري والكويتي معا أن استقبال سمو أمير دولة الكويت لأحمد الشرع سيقود بالنهاية إلى عدة خطوات غير مسبوقة ومنها إنشاء صندوق كويتي-سوري برأس مال مشترك لتمويل إعادة الإعمار، مع ضمانات قانونية لحماية المستثمرين.
وقد تُطلق الكويت مبادرة حوار بين الأطراف السورية، مستفيدة من ثقة جميع الأطراف بها. ومن المتوقع أيضا أن تنسق المنامة مع الرياض وأبو ظبي لإنشاء ممرات تجارية تربط الخليج بدمشق عبر الأردن.
و”زيارة الشرع للكويت ليست مجرد محطة دبلوماسية، بل ضمانة لعدم عودة سوريا إلى براثن العنف أو التبعية الخارجية. الكويت، بموقفها المتوازن وثقلها الاقتصادي، هي الجسر الأقوى لإعادة سوريا إلى بيتها العربي.” هكذا يراهن كل المعلقين السياسيين في الكويت على الأيام المقبلة
الكويت.. النموذج
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للكويت تختزل تحولاً جوهرياً في السياسة الإقليمية: من منطق المحاور الأيديولوجية إلى منطق المصالح المشتركة والاستقرار. فالكويت، بقدرتها على الجمع بين الحكمة السياسية والإمكانات الاقتصادية، تقدم نفسها كقائد إقليمي قادر على قيادة ملفات معقدة مثل إعادة إعمار سوريا. هذا الدور لا يخدم مصلحة الكويت وسوريا فحسب، بل يمثل نموذجاً لدبلوماسية عربية جديدة تقوم على الشراكة بدلاً من الصراع.