الوفاق الديني| يوم عرفة ركن الحج الأعظم .. والموقف الشرعي من الخلاف حول موعده
الدول الإسلامية اختلفت 40 مرة في العصر الحديث حول موعده

جريدة الوفاق – السنة الأولى (العدد 297) – الأربعاء 8 ذو الحجة 1446 هجري- 4 يونيو 2025
- الخلاف حول موعد يوم عرفة ليس جديدًا بل يتكرر في كل موسم حج .. وسواء اختلفت الأمة أو توحدت في موعده فالأهم هو تعظيم هذا اليوم فهو “يوم مغفرة الذنوب، وعتق الرقاب، وإجابة الدعوات”
- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك هذا النوع من الخلاف حول موعد يوم عرفة لأن المسلمين كانوا في نطاق جغرافي موحد ويحجون مع النبي أو خلفائه في المدينة ومكة
- الاختلاف حول موعد صيام يوم عرفة بدأ يظهر بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية وبدء تدوين الفقه في الأمصار البعيدة
- تختلف الدول في رؤية الهلال بسبب اختلاف المطالع الجغرافية واعتماد بعض الدول على الرؤية الشرعية المحلية
- هناك رأيان فقهيان في الخلاف هذا: الأول يرى العبرة بوقفة الحجيج في عرفات.. والثاني يرى أنه لا يُشترط التوحد في عرفة إلا لمن يؤدي الحج فعليًا أما غير الحاج فيتبع رؤية الهلال في دولته
- دار الإفتاء المصرية: الاختلاف في رؤية الهلال بين الدول أمر طبيعي ومشروع و”الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يلزم غير الحاج”
- هيئة كبار العلماء في السعودية: العبرة بيوم عرفة في مكة ويُستحب لغير الحاج أن يصوم اليوم الذي يقف فيه الحجاج لا غيره
- مجمع الفقه الإسلامي الدولي يؤكد أهمية توحيد الرؤية في الحج قدر الإمكان لكنه لم يقر بوجوب ذلك شرعًا
- خلاصة الموقف الشرعي: يجوز شرعًا أن تختلف الدول في يوم عرفة إذا كانت تعتمد الرؤية الشرعية المحلية ولا حرج على من صام يومًا خالف يوم وقفة الحجاج
- الفضل الأكبر يبقى لمن يصوم في يوم عرفة وفي الوقوف الفعلي فوق جبل عرفات لما له من ارتباط وثيق بحدث الحج الأعظم
- لا إثم ولا نقص في أجر من اتبع فتوى بلاده بشأن موعد صيام يوم عرفة ما دامت صادرة عن جهة شرعية معتبرة فالصوم لمن لم يحج
- الدعوات إلى توحيد يوم عرفة عالميًا لا تزال مطروحة ورغم أن توحيد موعده قد يُعزز من وحدة الأمة معنويًا إلا أن الواقع الجغرافي والفقهي لا يزال يُرجّح استمرار الخلاف
- يبقى الخلاف حول توقيت يوم عرفة هو خلاف مشروع وقديم وقائم ما بقيت الأمة على اختلاف في المطالع والرؤى الفقهية





تقرير خاص – الوفاق :
يوم عرفة هو ركن الحج الأعظم وهو من أيام الله تعالى شرفه الله وفضله بفضائل كثيرة فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة وهو أفضل الأيام: لحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الأيام يوم عرفة)) رواه ابن حبان. وروى ابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ)) وفي رواية: ((إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ)).
وصيامه يكفر سنتين: قال النبي صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم.
وهو يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء” قال ابن عبد البر وهو يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران.
ومع كل موسم حج، يعود الجدل المتكرر حول “توحيد يوم عرفة” بين الدول الإسلامية، فبينما تقف المملكة العربية السعودية في التاسع من ذي الحجة على جبل عرفات، تعلن بعض الدول الأخرى أن اليوم ذاته هو الثامن أو العاشر من الشهر المبارك، ما يفتح باب التساؤلات الشرعية والفقهية، بل والسياسية: هل يجوز شرعًا أن تختلف الدول الإسلامية في موعد وقفة عرفات؟ وهل وُجد هذا الخلاف في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم هو اجتهاد عصري فرضته الجغرافيا وتعدد المطالع؟
خلاف جديد في موسم 1446 هـ (2025 م)
ففي موسم الحج لهذا العام، أعلنت عدة دول إسلامية، من بينها باكستان والمغرب موريتانيا وبنحلاديش ، عدم ثبوت رؤية هلال شهر ذي الحجة مساء الثلاثاء 27 مايو 2025، على عكس السعودية ومصر وبلدان الخليج ومعظم الدول الإسلامية الأخرى التي أعلنت دخول الشهر بدءًا من الأربعاء 28 مايو. وبهذا ستُصادف وقفة عرفات في السعودية يوم الخميس 5 يونيو، بينما تصادف في المغرب وموريتانيا وباكستان يوم الجمعة 6 يونيو، مما يعني أن المسلمين في هذه الدول سيصومون يوم عرفة في توقيت مختلف عن وقوف الحجيج الفعلي على جبل عرفات.
الخلاف في الرؤية: ظاهرة متكررة
هذا الخلاف ليس جديدًا، بل يتكرر في كل موسم حج تقريبًا، حيث تختلف الدول في رؤية الهلال بسبب اختلاف المطالع الجغرافية، واعتماد بعض الدول على الرؤية الشرعية المحلية دون الالتفات إلى إعلان المملكة العربية السعودية، بينما يذهب آخرون إلى توحيد الوقفة مع السعودية باعتبارها بلد الحرمين ومكان أداء المناسك.
وقد رُصد اختلاف موعد وقفة عرفة في أكثر من 40 مرة خلال القرن الأخير، كان أبرزها:
عام 1989: اختلفت أغلب دول شمال إفريقيا عن السعودية.
عام 2006: صامت عدة دول يوم عرفة وأفطرت عدة دول أخرى بينما كانت السعودية تقف فيه على جبل عرفات.
عام 2014 و2015: تكرر الخلاف بين المغرب والسعودية.
عام 2025: 7 دول أعلنت عن موعد مختلف لوقفة عرفات عن موعده بالسعودية، وهذه الدول هي باكستان، المغرب، موريتانيا، بروناي، ماليزيا، الهند، بنجلاديش.
هل حدث هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك هذا النوع من الخلاف، لأن المسلمين جميعًا كانوا في نطاق جغرافي موحد، يحجون مع النبي أو خلفائه في المدينة ومكة. لكن الاختلاف بدأ يظهر بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وبدء تدوين الفقه في الأمصار البعيدة.
وقد نقل ابن تيمية في فتاويه أن “الاعتبار في الحج بيوم عرفة في عرفات، وليس بحساب الأهلة في البلدان”، مستندًا إلى أن “العبرة بالواقع الشرعي لا بالتقويم القُطري”.
اختلاف مشروع أم توحيد واجب؟
اختلف الفقهاء في المسألة إلى رأيين رئيسيين: الرأي الأول: وحدة عرفة واجبة : يرى هذا الفريق، ومنهم علماء اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، ودار الإفتاء المصرية في بعض فتاواها المعاصرة، أن العبرة بوقفة الحجيج في عرفات، لأن “الحج عرفة”، ومن ثم فإن من يصوم يومًا غير يوم وقوف الحجاج، لم يدرك فضل هذا اليوم، ولا يصح تعارض فعله مع الحدث.
وقد ساند هذا الرأي الشيخ ابن باز بقوله: “من المعلوم أن يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة، ولا عبرة باختلاف الأهلة في هذه الحالة.”
الرأي الثاني : اختلاف المطالع جائز .. ويرى هذا الفريق، ومنهم علماء المغرب وتركيا ومجمع الفقه الإسلامي بجدة، أن لكل بلد رؤيته، كما هو الحال في رمضان وشوال، ولا يُشترط التوحد في عرفة إلا لمن كان يؤدي الحج فعليًا، أما غير الحاج فحكمه يتبع رؤية الهلال في بلده، واستندوا إلى حديث كريب الشهير، حين رأى الهلال في الشام وخالفه ابن عباس في المدينة، وقال: “هكذا أمرنا رسول الله.”
دار الإفتاء المصرية، أكدت أن الاختلاف في رؤية الهلال بين الدول أمر طبيعي ومشروع، ولا يُسبب أي خلل في العبادة، واستشهدت بأن “الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج لا يلزم غير الحاج”.
هيئة كبار العلماء في السعودية، ترى أن العبرة بيوم عرفة في مكة، ويُستحب لغير الحاج أن يصوم اليوم الذي يقف فيه الحجاج لا غيره.
مجمع الفقه الإسلامي الدولي، دعا في مؤتمره بالقاهرة عام 2012 إلى “محاولة توحيد الرؤية في الحج قدر الإمكان”، لكنه لم يقر بوجوب ذلك شرعًا.
هل الحل في الحساب الفلكي؟
طرحت بعض المؤسسات الفقهية اعتماد الحساب الفلكي لتوحيد الرؤية عالميًا، إلا أن هذا المقترح وُوجه برفض من البعض ، باعتباره مخالفًا للسنّة التي أمرت بالرؤية البصرية.
خلاصة الموقف الشرعي
يجوز شرعًا أن تختلف الدول في يوم عرفة إذا كانت تعتمد الرؤية الشرعية المحلية، ولا حرج على من صام يومًا خالف يوم وقفة الحجاج، لكن الفضل الأكبر يبقى لمن يصوم في يوم الوقوف الفعلي، لما له من ارتباط وثيق بحدث الحج الأعظم.
وفي المقابل، لا إثم ولا نقص في أجر من اتبع فتوى بلاده، ما دامت صادرة عن جهة شرعية معتبرة.
هل يمكن التوحد مستقبلًا؟
الدعوات إلى توحيد يوم عرفة عالميًا لا تزال مطروحة، خصوصًا في ظل تطور علم الفلك ووسائل الاتصال، لكن الأمر يبقى مرهونًا بالإجماع الفقهي والسياسي، وهو أمر معقد في ظل اختلاف المدارس والمرجعيات.
ورغم أن توحيد موعد عرفة قد يُعزز من وحدة الأمة معنويًا، إلا أن الواقع الجغرافي والفقهي لا يزال يُرجّح استمرار الخلاف.
سواء اختلفت الأمة أو توحدت في صوم يوم عرفة، فإن الأهم هو تعظيم هذا اليوم، والإكثار فيه من الدعاء والذكر والاستغفار، فهو “يوم مغفرة الذنوب، وعتق الرقاب، وإجابة الدعوات”، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم. أما الخلاف حول توقيته، فهو خلاف مشروع، وقديم، وقائم ما بقيت الأمة على اختلاف في المطالع والرؤى الفقهية.
